رؤية / الأعمال التشكيلية للفنانة سوزان بوشناق... أنفاس أنثى برائحة قوس قزح

المقاله تحت باب  مقالات
في 
16/10/2011 06:00 AM
GMT



 الألوان تتآزر في ما بينها لتصنع عالم الحلم وطن اللون، مساحات كبير لتنفس برائحة قوس قزح بعد أول الغيث وما يستحضره من ذكريات ملونة، تفاصيل كل ما علق بذاكرة الأيام وزواياها المعتمة، انك لا ترى الأشياء مرتين، بل هي مرة واحدة تكفي، الألوان هي نفسها تتهافت عليك لتستقر في داخلك بعد أن تتشكل صورها وهي تسرد أجمل القصص وقضايا الحياة، امرأة بخطوط انسيابية تئن بوجع وتحكي «فرح، عرس، دموع الثلج، لقاء الأحبة، فتيات بملابس عصرية، أنفاس أنثى، طين ممزوج بالضوء ورائحة الأمكنة، لون ازرق كالنسمات في أول أيام الشتاء مشرق على وجنة الفجر وكائن متكئ في وسط غابة الحلم المنسي بأضواء خضراء، فتاة ترقص بأجنحة فراشة متوحدة مع وميض ضوء منبعث من أرضية اللوحة، الحاضر والماضي، كل هذه المفردات لقصص اجتمعت في أعمال بالغة الوصف للفنانة التشكيلية الكويتية سوزان بوشناق».

الفكرة... عندها عبارة عن إشارات كهربائية ملونة يصدرها العقل، الوعاء الحامل لكل ما يتم التقاطه من على أرصفة الحياة لتتسرب عبر أنامل مبدعة تدرك جيدا التعامل مع هذه الشحنات، وكيفية تثبيتها في لحظات مرسومة على قماش اللوحة موسومة بملامح البشر، عملا فنيا ينضح بموسيقى اللون وحكايا المرأة بقضاياها المتعددة في عالم الرجل.

أعمال بسيطة التركيب وطريقتها في التعبير عما يعتمل في داخل مكنوناتها، حداثية الروح والمظهر، وخصوصا في معظم أعمالها الجديدة، في الماضي كانت تجنح إلى الأسطورة في أجسام متهرئة متوحدة مع جدران ذات ملمس صخري ومتلاشية في فضاءات او على أسطح متآكلة وكائنات خرافية أخرى تعدو نحو الضوء أو تركض خائفة منه في جمهرة غير مستساغة فنيا واليوم أصبحت الأسطورة هي أسطورة الإنسان الشخصية ملابس عصرية وأحذية النساء مع اخر صيحات الموضة ألوان متناسقة مع تسريحات للشعر معاصرة جدا، لقاء فتيات وأحلامهن الوردية، وبشكل مغاير ومختلف وأكثر ظلمة تلمح أجسادا كأنها دم متجلط في عتمة التفكير تحاصرها أضواء منبعثة من ثقوب غير مرئية قد تحدث شرخا في هذه القتامة، وتفتح نافدة مشرعة على نهار جميل ما جعلها تستحق الانتباه والوقوف أمامها طويلا وربما العيش في ثنايا
تفاصيلها.

ألوان متعددة كالثقافات المبنية عليها أساس خبرة هذه الفنانة من محلية وعالمية، بدراستها في روسيا وأصول أجدادها البوسنية وحياتها ونشأتها الكويتية والممتلئة، بكل هذا الحراك الثقافي الكبير على الساحة الثقافية المحلية، وهذا يتضح جليا في المعارض والمطبوعات المهتمة بالفنون التشكيلية والنواحي الأدبية والثقافية الأخرى، ونشأتها في بيت والدها الفنان والنحات فكانت مغمورة بألوان الرسم وأدواته وتعلمت المبادئ والتقنيات الأساسية منذ وقت مبكر.

مادة البناء الأساسية عند الفنانة المعاجين المعدة بشكل حرفي جيد، والتي تبدو وكأنها تضاريس أجساد ترقص فرحا أو تمشي مجتمعة في طرقها المفضي إلى عالم آخر مشبوبة بروح الأمل والتجدد نحو الأفضل، وتترتب أو تتوزع الألوان في اللوحة بترتيب داخلي ما يقود الفنانة على هذا المنوال لتصبح الفكرة مكتملة ولو على مراحل من المحاولة والتركيز العميق بعد التأمل جيدا في هذه التضاريس لتصبح كما هي فكرتها أو كما كانت عليه أصلا،فهي لا تخلق الفكرة لأنها موجودة أصلا في عالم موازٍ لعالمنا، بل تأتي بها كاملة وتضعها على سطح اللوحة لتكون في متناول الجميع لان الفنان هو الكائن الوحيد القادر على اختراق هذا الجدار الفاصل ما بين عالم الواقع و عالم الحلم.

هي دائما في عملية بحث عن لغة جديدة للتواصل والتعبير بصوت جديد يتغنى بالحياة، والعمل على التحرر من قيود الذات حتى تسهل عملية التعبير وإخراج الفكرة واضحة المعالم دون أي زوائد تربك العمل الفني والحرص على التواصل مع الآخر ومعرفة قضاياه ومحاربة العزلة التقليدية للفنان الذي يعيش خارج الزمن، وغير مدرك لكل ما يحدث من حوله ومن المهم أيضا عندها العيش في الداخل داخل النفس لاستحضار كل ما ترسب من صور ملونة وأفكار، نتيجة هذا التواصل والاحتكاك مع الآخر في الواقع اليومي الذي نعيش فيه جميعا.

ترسم منذ كان عمرها أربع سنوات ودرست الفن بروسيا حيث تحصلت على الماجستير في الفنون، وتنقلت بعدة مراحل في حياتها الفنية من الواقعية إلى التعبيرية التجريدية وخطوطها الراقصة والمتموجة، باضاءاتها القوية والمعتمدة عليها بشكل كبير في العمل الفني عندها. قامت بالعديد من المعارض الفردية والمشاركات داخل الكويت وخارجها، ولها لوحات مقتناة في الكثير من الدول والمؤسسات. تعيش مع لوحاتها وفنها كما تعيش مع عائلتها بنفس أنفاس الفنانة الأنثى.

* فنان تشكيلي من ليبيا